Sunday, May 18, 2014

كتاب ألف ليلة وليلة"


أساليب منوعة في النهج والتعبير ، على نحو ما صبغت "كليلة ودمنة" أساليب كثيرة من أساليب الكتّاب والأدباء…
ويكفي , في التدليل على سعة انتشار (( ألف ليلة وليلة )) أن تهافت على نشرها أولى المطابع العربية في كلكوتا ، والقاهرة ، وبغداد ، ودمشق ، وبيروت ، وأنها لا تزال في طلاب دور النشر الحديثة ، ثم كانت أسبق المؤلفات العربية ، نقلاً إلى لغات الفرنجة ، فعرفت لها منذ ما يزيد على المائة سنة ، ترجمات عديدة ، أهمها الفرنسية والإنجليزية ، فكانت مطلاً في أوائل المطلات للغرب على الشرق…
وقد ساعدت الطبعة التي هذبها ، ووقف عليها ، الأب أنطوان صالحاني ،اليسوعي، بما بذل فيها من جهد وخصها من إتقان ، على توسيع مدى هذا الانتشار بحيث فتحت في وجهها ، على يده ، أبواب البيوت والمدارس ، التي كانت موصدة دونها من قبل…
وإنه في سبيل مواصلة الخدمة وأداء رسالة النشر والتعميم ، صار التفكير بإنفاذ هذه الطبعة الرابعة إلى السوق ، في إخراج متقن وتبويب واضح ، وحرف أنيق يجد فيها القارئ كتاباً أفضل ما في المكتبة العربية ، ومن أرخم ما تقع عليه العين، موزعة أخباره إلى قصص تحمل كل واحدة منها عنوانها المستقل ، وموزعة هي إلى ليال يعاد ذكرها ، كما يعاد ذكر العناوين ، في كل صفحة من صفحات الكتاب ، على زخرفة وبروز….

الكتاب الذي طاف الدنيا بأرجائها، وتمثل فيه سحر الشرق، وترجم إلى معظم لغات العالم. طبع بالعربية لأول مرة في ألمانيا سنة (1825) بعناية المستشرق (هايخت) فأنجز منه ثمانية أجزاء، مع ترجمته إلى الألمانية، وتوفي قبل إتمام الكتاب، فأنجز الباقي تلميذه فليشر المتوفى سنة (1888م) ثم طبع مرات لا تحصى أهمها: طبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر 1960م. تقول الحكاية الأم التي تبسط ظلالها على حكايا الكتاب: (أن الملك شهريار لم يكتف بعدما اكتشف خيانة زوجته بقتلها هي وجواريه وعبيده، بل صار كل يوم يأخذ بنتاً بكراً فيزيل بكارتها ويقتلها من ليلتها، فضج الناس وهربت بناتهم...فسألت شهرزاد أباها الوزير أن يقدمها لشهريار قائلة: (فإما أن أعيش، وإما ان أكون فداء لبنات المسلمين وسبباً لخلاصهن) وكان الوزير يطلع كل صباح بالكفن تحت إبطه، بينما ابنته شهرزاد تؤجل ميعاد موتها بالحكاية تلو الحكاية، حتى أنجبت للملك ثلاثة أولاد في ألف ليلة قضتها في قصره، وجعلته بحلاوة حديثها وطرافة حكاياها خلقاً آخر). ولا شك في أننا غير قادرين على تلخيص أثر هذا الكتاب منذ شاع ذكره في أوربا، وليس في وسعنا هنا إلا تقديم نموذج منها بكتاب (غوته وألف ليلة وليلة) للألمانية كاترينا مومسن، ترجمة د. أحمد الحمو (دمشق: 1980) حيث عاش غوته منذ نعومة أظفاره مع هذا الكتاب
وبعد فإن أسبق ما يسبق إلى بال القارئ ، قبل أن يهمّ بقراءة "ألف ليلة وليلة" أو بعد أن يطرحها من يده ، معرفة : ….من هو واضع الكتاب ؟؟؟ وفي أي زمن وضع…؟؟؟ وكيف أعطي له اسمه!!!! وما هي سيرة الكتاب…..ومن أين أخذ القالب الذي سبك فيه….!!! وما هي حقيقة "ألف ليلة وليلة"؟؟؟ ….وهو ما يحملنا البحث في كل ذلك …مسترشدين اراء السابقين ، مستهدين بدراساتهم **(أخصها جميعاً كتاب Nikita Elisséeff – Thémes et Motifs des Mille et une Nuits ، الذي تولى نشره المعهد الفرنسي بدمشق للدراسات العربية ، 1949 . وقد كان طريقنا المنورة إلى دنيا "ألف ليلة وليلة(.
لم يعرف لكتاب "ألف ليلة وليلة" كاتب معين ، ينسب جزماً إليه....فهو في ذلك على نحو ما هي عليه مؤلفات كثيرة في العالم ، يحار الرأي العلمي في صحة إنسابها ، كما يحار ،جاداً في حقيقة وجود بعض الذين تنسب إليهم روائع عالمية كهوميروس وشكسبير....
حتى أن المحققين يحارون في تعيين جنسية واضع "ألف ليلة وليلة" وفي هل يكون واحداً أم أكثر من واحد؟؟؟
فيذهب الشرواني ، مثلاً في مقدمة الطبعة الإيرانية إلى أن واضع الكتاب سوري ، جعله في لغة مبسطة متوخياً تعليم اللغة العربية إلى الراغبين فيها أكثر ما توخى الاقتراب من إفهام الناس...
وقد لحقه الرأي ((De Sacy )) الذي لا يستبعد أن يكون قد زاد على الأصل السوري النقلة والحكاؤون ، في كل زمان ومكان ، أخباراً وحكايات من عندهم...
ويميل ((Scott )) في مقدمته للطبعة الإنجليزية إلى أن واضع الكتاب أكثر من رجل واحد ، فلا يعرف البادئ ولا المتأخرون ولا تعرف جنسياتهم...
أما (( Langlés )) فعلى رأي المسعودي الذي يردّ الكتاب إلى الهند ( المسعودي ، مروج الذهب ، طبعة Barbier De Meynard ، باريس ، 1914 ، الجزء الرابع ، الصفحة 89 + 90 (

ونشير هنا إلىالطفرة التي اكتسبتها الدراسات الدائرة حول (ألف ليلة وليلة) نتيجة لتوثيق محسن مهدي للنسخ العربية في عمل صدر له في ليدن (1984م). وانظر مجموعة الرسومات التي صاحبت الترجمات الغربية لألف ليلة وليلة في كتاب (ألف ليلة وليلة: مقالات نقدية وببلوغرافية) كامبريدج، دار مهجر 1985م بالإنجليزية. و(ديوان الف ليلة وليلة) تحقيق عبد الصاحب العقابي: كتاب التراث الشعبي، عدد (1) بغداد 1980م ويقع في (577) صفحة مزودة بلوحات فنية (ط2 بغداد 1984م(

مادام لا يعرف كاتب هذا الكتاب ، ومادام الرأي الغالب إن حكايات "ألف ليلة وليلة" مأخوذة عن الهند ، وفارس ، ومصر ، وسوريا ، والعراق ، وأنها من الحكايات التي تتوالد في الشعب وتتناقلها الأجيال المتعاقبة، صار من الراجح الرأي الذي يذهب إلى تجهيل زمان الوضع، غير أن هناك عمل جمع ودون وتوفر عليه كتّاب من العرب....ففي أي زمن حصل ذلك أو يرجح أنه كان؟؟؟!!!!

على هذا ، أيضاً اختلاف بين أهل الرأي....

على أن الرأي الغالب هو أن مجموعة "ألف ليلة وليلة" كما هي معروفة الآن ، قد اتخذت شكلها الحالي بين القرن الثالث عشر والقرن الرابع عشر ، وقد كتبت بلغة الناس ، على يد "حكواتيين" ، فلم تتناولها أقلام كبار الأدباء والمنشئين ، فجاءت على وضعها الحاضر الذي هو من أبرز عوامل رواجها وانتشارها بين قراء العربية جمعاء

مما لا شك فيه أنه لم يخطر في بال مولدي الحكايات التي جمعت في هذا الكتاب أنها ستجتمع يوماً في كتاب واحد ، وأنه سيكون لهذا الكتاب اسم ، وأن اسمه سيكون "ألف ليلة وليلة" ....
حتى أن الذين نشطوا إلى جمع هذه الحكايات في مجموعة واحدة لم يطلقوا اسماً عليها...

على أنها اتخذت أول الأمر ميلاً من الناس إلى التسمية للتمييز وللتحديد –اسم "ألف خرافة" ، ثم صار اسمها :" ألف ليلة" ، قبل أن تعرف باسمها الأخير: "ألف ليلة وليلة" ...
فلماذا تبدل اسم الليلة باسم الخرافة ....!!! ولماذا استقر اسم المجموعة على "ألف ليلة وليلة" ؟؟ أحد لا يستطيع الجواب على ذلك ....

يزعم Gildmeister أن العرب يكرهون الأرقام المدورة كالعشرة والمائة والألف وأنهم يميلون مع روح اللغة العربية وطبعها ، إلى الموسيقى اللفظية وأن قولهم "ألف ليلة" أخرس ، أما قولهم "ألف ليلة وليلة" فأساس لفظاً لذلك اختاروا لمجموعتهم اسم :"ألف ليلة وليلة"....

وينسب Horovitz ذلك لميل العرب إلى الأرقام المفردة....


لكل كتاب سيرة ...ولكتاب "ألف ليلة وليلة" -ألف سيرة وسيرة-...
فمن قائل أن حكايات الكتاب من جمع جامع ليعلّم اللغة العربية المبسطة للذين يرغبون في تعلمها...
ومن قائل أنها جمعت في سبيل الدعوة إلى الإسلام.....
ومن قائل أن أحد الحكام دعا إلى جمعها ونشرها في الناس لإلهائهم عنه وعن مفاسد حكمه....
بل لإبعاد النعاس عن حراس الليل والنواطير ،،،،يقول قائل آخر....

ويقول آخرون أنها جمعت لمصلحة "حكواتي" من الذين كان تجتمع عليهم الناس قبل المسرح والسينما ، والذين ما زال منهم جماعة تعمل في بعض القهاوي والدكاكين في معظم المدن الشرقية....
وسلف من أحاديث الأمم : أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان ، ملك من ملوك بني ساسان ....اسمه الملك شهريار ، وكان أخوه الصغير اسمه الملك شاه زمان......"
إلى أن قال الراوية :" .....فلما سمع الوزير من ابنته هذا الكلام حكى لها ما جرى له من الأول إلى الآخر مع الملك ، فقالت له : بالله يا أبت زوجني هذا الملك فإما أن أعيش وإما أن أكون فدى لأولاد المسلمين وخلاصهم من بين يديه ، فقال لها : بالله عليك ألا تخاطري بنفسك أبداً ، فقالت له : لابد من ذلك....."
وهو ما كان....
فراح الملك يستمع إلى قصة شهرزاد في سرور فائق، وكانت شهرزاد تقف بحكايتها عند مكان حرج ، فكان الملك يرجئ قتلها كل صباح إلى الصباح المقبل ....
وفي عقب ألف ليلة وليلة رزقت شهرزاد ابناً من الملك ، فزاد حبه لها ، وحافظ على أم ابنه ، التي أصبحت ملكة ، ثم أقلع الملك عن ظلمه .....
وما أن استقر شهريار على هذا القرار حتى أمر بتسجيل حكايات شهرزاد على رقّ غزال ، بماء الذهب وجعلها في خزائن الحديد ، فسجلت على الوجه المتناقل بيننا الآن ....والله أعلم...

خواتم الكتاب......

لم تتفق المخطوطات المعروفة من "ألف ليلة وليلة" على خاتمة واحدة ، إن هي متعددة الخواتم....

ففي طبعة بولاق ، وطبعة Galland الفرنسية ينتهي الكتاب إلى أن الملك - وقد اعجب بذكاء شهرزاد وببراعتها في الرواية والسرد – يعفو عنها لتسلم له بهجة ومسرة ....وفي الملخص الذي يعطيه صاحب الفهرست يقول: " .....وظلت شهرزاد تخرّف الملك ، وتصل الحديث عند انقضاء الليل ، بما يحمل الملك على استبقائها ، إلى أن رزقت منه ولداً ، أظهرته وأوقفته على حيلتها عليه ، فاستعقلها ، ومال إليها واستبقاها"** (( محمد بن اسحق النديم ، كتاب الفهرست ، طبعة القاهرة ، السنة 1348 هــ ، صفحة 422 ))...

أما مخطوطة Hommer فتنتهي إلى أن الملك وجد قصص شهرزاد متعبة ومملة ، فأراد قتلها ، ولكنها كانت قد رزقت منه ولداً فعفا عنها لذلك....

وأما في طبعة كلكوتا فترزق شهرزاد ثلاثة بنين لئلا تضيع عليها شيئاً من الألف ليلة وليلة التي تتسع لثلاثة "بطون".....!!!

......والخلاصة التي يهم أن تعرف هي أن شهرزاد ، وقد عمدت إلى هذه الحيلة اللبقة ، قد أنقذت نفسها ...وأن مهارتها في سرد الحكايات هي التي أنقذت حياتها....وفي هذا من التشويق لقراءة الكتاب ...ومن استثارة "حشرية" القارئ ما فيه....وهو الأصل.
وكل ما عدا ذلك فمن التفاصيل التي يتطلع إليها البحاثون المنقبون ، ولا يأبه بها القارئ العادي...


علي السقاف جده

No comments: