Sunday, May 18, 2014

اسبانيا (الاندلس سابقا) وحضارتها

لمحة تاريخية

في القرن العاشر، وبالتحـديد في سنة 711م. بدأ الفتح الاسلامي لإسبـانيا بقيادة طارق بن زياد الذي هزم ملك القوط في معركة “وادي بكة”، وشتت شمل رجاله، وفي السنة التالية جنّد موسى بن نصير بما جرى حتى جنّد جيشاً، والتحق بطارق في سنة 93هـ، وأكملا فتح إسبانيا التي أسمـاها المسلمون “الأندلس”، ولكن المسلمين تعرضـوا لنكسة في 115هـ، 732م حيث انهزموا في معركة “بواتيه”على يد ملك الفرنج شارل مارتل، وبذلك أوقف الزحف الاسلامي داخل القارة الأوروبية
كانت أولى التسميات التي أطلقت على المسلمين في إسبانيا، هي تسمية «المسلمون الفاتحون» التي شملت كلّ المسلمين سواء الذين فتحوا شبه الجزيرة الإيبيرية (إسبانيا والبرتغال حالياً) سنة 92هـ (711م) سواء كانوا من البربر الذين حضروا من المغرب مع القائد العسكري طارق بن زياد، وكان عددهم سبعة آلاف جندي، أو من العرب الذين حضروا من المشرق العربي ودخلوا شبه الجزيرة الإيبيرية سنة (712م) بقيادة موسى بن نصير لمساعدة الفاتحين الأوائل ومتابعة تقدّمهم في الأراضي الإيبيرية
حقق هؤلاء انجازات باهرة ، وأخضعوا لسيطرتهم مدن إسبانيا، باستثناء بعض المناطق الواقعة في الشمال، وتوغلوا في بعض الأراضي الفرنسية حتّى وصلوا إلى بواتييه، ولكن شارل مارتل أوقف تقدّمهم سنة (732م) في وقعة بلاط الشهداء التي خسرها المسلمون واستشهد فيها المجاهد الكبير عبد الرحمن الغافقي
خضعت الأندلس منذ الفتح الإسلامي للأمويين، ومن ثُمَّ للعباسيين، ولم تلبث أن أصبحت إمارة مستقلة على يدي عبد الرحمن الأوّل “الداخل” الذي فر إليها من السلطة العباسية، واتخذ من قرطبة عاصمة لإمارته، الذي حاول أن يجعلها عاصمة على غرار دمشق، فبنى جامع قرطبة الذي استوحى فكرته من جامع بني أمية في دمشق
ظلت هذه البلاد خاضعة للخلافة الأموية 39 سنة، وبلغت ذروة مجدها في أيام عبد الرحمن المعروف بـ”الداخل”،
وبعد انتهاء فترة الإمارة سنة 929م. تولى الحكم عبد الرحمن الثالث “الناصر” وبدأت معه فترة الخلافة التي دامت حتّى وفاة عبد الملك “ابن المنصور”سنة 1031م. وأدّت وفاته إلى تشتت الخلافة، وظهور ممالك الطوائف الذين حكموا مناطق متفرّقة من الأندلس
ولكن عصر الأمجاد هذا تراجع حيث سادت صفوفهم الفرقة والانقسام، وأنهكتهم الصراعات، ما سهّل على جيوش قشتالة استعادة إسبانيا، وإخضاع غرناطة آخر معاقل المسلمين فيها في سنة 1492م. وهي السنة التي قـام كولومبوس فيها برحلته الاستكشافية إلى أميركا، ليرحل المسلمون عن”الأندلس”نهائياً، بعد أن أخضعوها لسلطانهم ثمانية قرون
شجعت حالة الانقسام والتشظي التي عصفت بالأندلس الجيوش الإسبانية في شمال إسبانيا على لم شملها وتكتيل قواها، فتمكنت بقيادة ملكها ألفونسو السادس من استرداد مدينة طليطلة من المسلمين سنة 1058م، التي شكّل سقوطها ضربة قوية للمسلمين، فاضطروا لطلب مساعدة من إخوانهم المرابطين في المغرب. فلبوا الدعوة وهاجموا الإسبان في منطقة قرب بداخوس (غرب إسبانيا) وانتصروا عليهم سنة 1086م في معركة الزلاقة. وتشجع قائد المرابطين واستولى على الحكم الإسلامي في الأندلس بشكلٍ كامل وبقي مسيطراً عليه حتّى عام 1148م. وقد أطلق اسم «المرابطين» على الأشخاص الذين التفوا حول العالـم القيرواني الفقيه في الدِّين عبد اللّه بن ياسين الجذولي الذي أرسل معهم لتعليمهم شريعة ربّهم إذ أقام رباطاً وانقادوا له

تولى الموحِّدون حكم الأندلس بعد المرابطين ، وهم جماعة أطلقوا على أنفسهم هذا الاسم، ودعوا لتصحيح الفهم الإسلامي، والعودة بالمسلمين إلى القرآن الكريـم والسنّة النبوية بعد انصراف عددٍ من علماء المغرب بدراساتهم إلى المبالغة بالفقه المذهبي وفروعه، واستمروا في حكم الأندلس حتّى سنة 1232م
اتخذوا من إشبيلية عاصمتهم لهم، وجهدوا لجعلها في مصاف العواصم الكبرى، فشيدوا فيها عدداً من المعالـم الحضارية، التي كان من أهمها الخيرالدا أو (المئذنة) التي بدأ ببنائها أبو يعقوب يوسف سنة 1172م، وتابع ابنه أبو يوسف يعقوب المنصور بناءها من بعده. وتعتبر الآن من أعظم الآثار الإسلامية في الأندلس ورمز مدينة أشبيلية. كما خلّف الموحِّدون في إشبيلية برج الذهب الذي أقيم لحراسة المدينة ومراقبة حركة الملاحة وللدفاع عنها من القشتاليين الذين سيطروا أخيراً على كثير من المواقع الأندلسية المهمّة، وبدا تفوّق قواتهم واضحاً نتيجة لاتحادهم المتين واتفاقهم على توجيه ضربة للحكم الاسلامي في الأندلس. وإزاء حالة التحدي برزت بعض الشخصيات الإسلامية المهمّة مثل ابن الأحمر الذي استطاع بعد وفاة منافسه ابن هود تشكيل مملكة غرناطة التي كانت تضمُّ غرناطة ومالقة وبعض المناطق الجنوبية في الأندلس.وكان من أهم منجزاته العمرانية بناء قصر الحمراء العظيم الذي يُعتبر أهم أثر تركه العرب في إسبانيا، والذي ما زال باقياً حتّى الآن كتحفة تمجد دور العرب المسلمين وإبداعهم المعماري الباهر
ومن الجدير ذكره أن المسلمين في الأندلس لم يعيشوا نمطاً واحداً، بل طرأت على أحوالهم بعض التغيرات،حيث كان للظروف والعوامل التي أحاطت بهم دورها في إبراز سماتهم الحضارية، وانتاج مفاهيمهم السياسية والفكرية ـ وبتعبير آخر ـ منظومتهم الحياتية، سواء كانوا من الذين فتحوها، أو الذين عاشوا فيها، أو الذين اعتنقوا الإسلام من الإسبان، أو الذين تبنوا بعض العادات والتقاليد الإسلامية
ترك المسلمون في الأندلس بصمات واضحة في مختلف الميادين، ماجعل منها حاضرة متألقة، وحلقة وصل حضاري بين الاسلام والغرب، وركيزة من الركائز الأساسية للنهضة الحديثة في أوروبا والعالم، ويشهد على ذلك ما خلّفوه من آثار، بلغت غاية في الدقة، والاتقان، والروعة، والجمالية

فهل ستعود الى حضيرة الاسلام ام اننا سنخسر بعدها فلسطين وغيرها ؟؟؟؟

علي السقاف جدة

No comments: