Tuesday, May 20, 2014

المربي الكبير : عبد الله أحمد الفضلي (1)
علم من اعلام اليمن البارزين



لا يذكر التعليم في محافظة أبين ، إلا ويبرز اسمه كعلم ورائد ، من أعلام المعرفة ، ورواد النهوض ، والتربية والتعليم فيها
وعندما وهب نفسه لوطنه ، كمناضل في سبيل الكرامة والمعرفة ، كان يعلم أن الطريق جد وعر ، وأن المراحل لا زالت طوال
وبالاصرار اقتحم الرجل الصعاب ، وركب الخطر ، وتحدى المجهول لمواجهة السياسة الاستعمارية ، الهادفة إلى كبح المد الوطني و التطلعات باتجاه الكرامة والحرية والتنوير
صحيح . . . أنه ولد من أسرة ريفية موسرة ، من ملاك الأرض وأصحابها ولكن أعماله المجيدة كانت مسخرة ، لخدمة البسطاء . . كل البسطاء من الناس ؛ الملاك ، وفلاحي الأرض
والده الحاج أحمد الجعدني من آل بالليل من قبائل آل فضل المعروفة بالسلطنة الفضلية ، كان رجلاً بسيطاً وكريماً في ذات الوقت ، صالحاً وورعاً ، يحب الخير ، ويواسي المساكين
وكانت داره الكبيرة في زنجبار ، حاضرة السلطنة الفضلية في ذلك الوقت ، مفتوحة لكل القاصدين إليها من الناس ، كل الناس لذلك .
. ورث نجله الوحيد عبد الله ـ صاحب سيرتنا هذه ـ كل سجايا والده الكريمة وصفاته الحميدة ، وزاده الله بسطة في الجسم والحلم والشجاعة والسخاء وحسن الخلق ،
وهي صفات ترفع المرء ، كما يروي الأثر .

وفي يوم ذكرى رحيله الثاني عشر ، الذي يصادف اليوم الموافق للثالث عشر من شهر أكتوبر ، رحل عن عالمنا في عام 1996 المربي القدير والمناضل الصلب ،
والقدوة المقترنة بالقدرة الأستاذ عبد الله أحمد الفضلي عن عمرٍ يناهز السبعين رحمه الله وغفر له ، قضاه في الكفاح المجيد من أجل البحث عن الكرامة ،
والتطلع إلى العلم والنهوض بالمعرفة ، والتضحية من أجل خدمة الانسان والوطن وتطورهما
له ابنه وحيدة هي السيدة فوزية أحمد الفضلي تعيش مع زوجها في الشارقة بدولة الامارات العربية المتحدة

تخرج على يديه أجيال .. بعد أجيال من العلماء والأطباء والمهندسين و رجال القانون ورجال الأعمال الناجحين الذي تبوأ بعضهم أعلا المراتب المهنية في الدولة وفي الخارج .
وأذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الرئيس الراحل سالم ربيع علي ثاني رئيس لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والفنان الشاعر محمد محسن عطروش ، ورئيس الوزراء الراحل محمد علي هيثم والدكتور أحمد سالم القاضي وزير التربية والتعليم السابق وهو يشغل الآن منصب نائب وزير الثقافة والخبير المالي الكبير أحمد عبيد الفضلي نائب وزير مالية الجمهورية اليمنية واللواء عبد الله علي عليوه وناصر منصور هادى من كبار رجال الأمن ، وغيرهم كثيرون .

المولد والنشأة

ولد الراحل عبد الله بن أحمد الفضلي في عام 1926 في مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين، وحاضرة السلطنة الفضلية آنذاك في زمن كان الجهل سائداً ، والتخلف يضرب أطنابه في كل اتجاه .
ولم تكن هناك في ذلك الوقت سوى الكتاتيب المتواضعة لتحفيظ القرآن الكريم ، وتعليم القراءة والكتابة وشىء من الفقه والسنة .
التحق صبي الثامنة بالكتاب وأجاد حفظ القرآن الكريم والحديث الشريف وتفوق على أقرانه .
وفي العاشرة من عمره كان الصبي يهيىء نفسه كواحد من أبناء الأعيان والشيوخ ، للرحيل من زنجبار إلى عدن فالتحق بمدرسة جبل حديد وهي المدرسة التي أنشأها الانجليز في عام 1936 لتعليم الناشئة من الصفوة ، من أبناء السلاطين والشيوخ والأعيان .
وكان هدف السياسة البريطانية تخريج أنصاف متعلمين لخدمة أهداف الادارة الاستعمارية .
ومع ذلك تخرج من هذه المدرسة صفوة من الشباب المستنير ، استطاع بعضهم أن يلتحق بكلية جوردن بالسودان ، وأن يكمل بعضهم دراسته بالخارج ، وعند عودتهم أحدثوا نهضة حضارية ، وثورة ثقافية وعلمية من حيث لا يحتسب الانجليز ومن بين هؤلاء وفي طليعتهم عبد الله أحمد الفضلي،والرئيس قحطان الشعبي والسلطان ناصر بن عبد الله الفضلي ومحمد بن فريد العولقي وكثير من أبناء الشعب والمشايخ من سلطنة لحج ، و سلطنة الفضلي وسلطنة يافع والعوالق والشعيب ودثينه وغيرها لعبوا أدواراً ريادية وقيادية في بلدانهم وإماراتهم .
بعد عودته من دراسته بالسودان ، التحق عبد الله أحمد الفضلي موظفاً بإدارة المسح بدلتا أبين، مع زميليه هشام عمر ، وعبده نعمان ، ولم يمكث طويلاً بهذه الوظيفة حيث ابتعث إلى بريطانيا لاستكمال دراسته بجامعة لندن . وعندما عاد من لندن عين مديراً للمعارف بالسلطنة الفضلية آنذاك ، ثم سكرتيراً للحكومة الاتحادية ، ثم وكيلاً لوزارة الزراعة الاتحادية بدرجة نائب وزير على النحو الذي سنعالجه في موقعه لاحقاً.
( awadarshani)
نشاطه التعليمي والمعرفي 2


بعد عودته من لندن في عام 1948 افتتح رحمه الله مركزاً لمحو الأمية وتعليم الكبار وسخر لذلك أحد منازل والده في مدينة زنجبار .
وفي هذه الفترة كان الشاب نشطاً ومتفتحاً فعقد صداقات حميمة مع سلاطين المنطقة وعلى رأسهم الأمير السلطان حسين بن عبد الله الفضلي نائب سلطنة الفضلي في ذلك الوقت ، الذي شجعه على ترجمة أفكاره وتطلعاته وتم وفقاً لذلك تشكيل مجلس للتعليم في السلطنة الفضلية، ورشح أن يكون رئيساً لهذا المجلس وبناءاً عليه دفع سلطنة الفضلي إلى تبني فكرة انشاء مدرسة ابتدائية وافق المجلس على إنشائها ، وتم بناء المدرسة فيما عرف بمدرسة ( دهل أحمد ) الذي أتى السيل في نهاية العام وجرفها .
كانت السياسة البريطانية في ذلك الوقت أي في عام 1948 تتبنى فكرة بناء مدارس ابتدائية في بعض المحميات الغربية ، تمولها لجنة أبين الزراعية البريطانية لخدمة أهداف سياسة بريطانيا فاستغل الرجل هذه الفرصة وطلب انشاء مدرستين ابتدائيتين إحداهما للذكور والأخرى مسورة للاناث في زنجبار ، وبالفعل افتتحت المدرستان في العام الدراسي 1950 وهما قائمتان إلى الآن فيما كان يعرف بشارع المدارس ، الذي يسمى الآن شارع أحمد الدرة .
ثم توالت الاصلاحات وتوالى نشاط الرجل ، ليمتد إلى القرى والأرياف ، فأنشأ عبد الله أحمد الفضلي مدارس ابتدائية متعددة في كل من الدرجاج ، والكود ، والمسيمير ، وشقرة ، ويرامس ، وغيرها .
وكان بعض الآباء خاصة في منطقة القبائل تمتنع عن إرسال أطفالها إلى المدارس وخصوصاً البنات التي كانوا يعتبرون خروجهن للتعليم عورة ، ولكن سلطان الفضلي أصدر مرسوماً بإلزامية التعليم الأساسي وسجن كل من لديه طفل لا يذهب إلى المدرسة .
كان عبد الله الفضلي رحمه الله يتوق إلى تطوير التعليم فاستغل مشروع سكن خاص جاهز للموظفين في زنجبار ، وحوله إلى أول مدرسة متوسطة داخلية لاستضافة أبناء الامارات وتعليم أبناء المنطقة ، فكانت مدرسة زنجبار المتوسطة في عام 1952 أول مدرسة شهدت توافد الدارسين من كل مكان بما كان يعرف بالمحميات الغربية .


مشروع السنت الثقافي


ومع التوسع التعليمي ، ونجاح (مشروع السنت الثقافي ) الذي وافق الانجليز على تأسيسه من أرباح القطن ، الذي يورده المزارعون إلى لجنة أبين الزراعية التي يشرف عليها الانجليز طلبت اللجنة آنذاك من نائب سلطان الفضلي أن يقنع مزارعيه بالخصم فكلف النائب حسين بن عبد الله الفضلي الأستاذ عبد الله أحمد الفضلي ، بأن يقنع المزارعين ، فتوجه الأخير إليهم وبشخصيته الساحرة استطاع اقناعهم بالمشروع مقروناً بالحماس لتنفيذ أهدافه .
وعلى التو افتتح الفضلي في عام 1956 أكبر مدرسة متوسطة داخلية في زنجبار لخدمة تعليم تلاميذ السلطنة والامارات والمشيخات الغربية الأخرى .
وكانت زنجبار قبلة الدارسين المتعطشين إلى النور والمعرفة ، ولذلك أصبحت محطة لاستقبال أبناء الامارات الأخرى بدلاً من توجههم إلى عدن .
وتتابعت اصلاحات الرجل في سعيه إلى النهوض والمعرفة ، فرصد ميزانية ضخمة من عائدات هذا المشروع لارسال بعثات دراسية إلى مصر والخارج ، وساهمت الادارة البريطانية بقبول طلاب متفوقين يدرسون على حسابها في الكليات والجامعات البريطانية .
ومشروع السنت هذا . . كان عبارة عن خصم 1% من كل جنيه استرليني من أرباح القطن التي كانت تستوردها الشركات البريطانية بواسطة لجنة أبين الزراعية من المنبع ، لحساب الغرض الذي رصدت من أجله .
ولذلك أحدث مشروع السنت طفرة تعليمية كبرى.
الحدث (3)


وكان الرجل رحمه الله يطمح لافتتاح مدارس ثانوية للبنين والبنات غير أن الأحداث الوطنية والسياسية كانت قد تعاظمت باتجاه معارضة السياسة البريطانية وكان الوطنيون يعارضون سياسة بريطانيا لقيام اتحاد فيدرالي بين عدن وامارات الجنوب ، فتعاظم المد الوطني المناهض للتطور الدستوري الذي تروج له السياسة البريطانية فحدثت ردود فعل شعبية مناهضة في كل مكان في الجنوب في عدن وفي الريف حيث قامت انتفاضات في كل من العوالق السفلى بقيادة مشايخ آل بن فريد وفي العواذل بقيادة الدماني وفي يافع بقيادة السلطان محمد بن عيدروس العفيفي وفى سلطنة لحج ومستعمرة عدن تداعى المثقفون ورجال الأحزاب لمعارضة قيام اتحاد فيدرالي هنا تدخلت السلطات البريطانية لكبح جماح هذا المد الوطني ، فضربت المقاومين المسلحين في الريف وأجهضت حركة المد الوطني في عدن ، فاعتقلت رجال السياسة والاعلام في عدن ورحلتهم إلى أبين ومن بينهم رجل المؤتمر العمالي عبد الله الأصنج ومحمد سالم باسندوه ومحمد سعيد مسواط وعبد الله باذيب ومحمد سالم علي وغيرهم من نشطاء الرأي الذين رحلتهم إلى سجن زنجبار بالسلطنة الفضلية ، وحاصرت سلطنة لحج وهددت سلطانها علي عبد الكريم بالنفي إلى خارج مقر حكمه وطاردت النشطاء الوطنيين هناك بهدف اعتقالهم ، فتوجه الزعيم السيد محمد علي الجفري قاضي قضاة لحج في ذلك الوقت ومؤسس رابطة أبناء الجنوب إلى شمال الوطن إبان حكم الإمام ، في حين توجه أحد أشقائه وهو علوي علي الجفري إلى كور العوالق واعتقلت السلطات البريطانية السيد عبد الله علي الجفري رحمه الله مدير المعارف في لحج آنذاك ، ونفته إلى جزيرة سقطرى، وأعلنت السلطات البريطانية منع عودة الأمين العام للرابطة الأستاذ شيخان الحبشي إلى عدن من الخارج .
وفي هذا الوقت بالذات كان الضابط السياسي البريطاني في زنجبار ( مستر ينج ) قد أحكم قبضته على مدينة زنجبار وأمر باعتقال نائب السلطنة السلطان أحمد بن عبد الله الفضلي ، الذي قاومت قبائله أمر اعتقاله وكحل وسط طلب منه إعلان استقالته من الرابطة .
في ذات الوقت الذي أُمر فيه باعتقال المربي الكبير عبد الله أحمد الفضلي فرفضت السلطنة تسليمه للسلطات البريطانية في عدن ، واتفق على حجزه في مقر السلطنة في زنجبار ، وبعد مرور أربعة شهور من الحجز والتوقيف أعفي من منصبه كمدير للمعارف ، وأطلق سراحه تحت شروط وقيود
.. فماذا حدث ؟ ....
هذا هو السؤال الكبير . . . !!!

No comments: