قال الشيخ
القرضاوي في "ثقافة الداعية" (ص 108 - 111) بعد أن تحدث عن تحذيرات للدعاة في
المجال التاريخي:
"لنأخذ أهم هذه المصادر القديمة وأشهرها وهو: تاريخ الطبري.
لقد كانت الفكرةالمهيمنة على الطبري عند كتابة تاريخه هي التجميع والتسجيل ، دون الانتقاء أو التمحيص للأسانيد أو الوقائع المروية. فمن كان عنده خبر ذو بال نقله عنه ودونه منسوباً إليه، وإن كان رواي الخبر من الضعفاء أو المتهمين أو المتروكين ، وإنما دفعه إلى ذلك حب الاستقصاء ، والخوف من أن يفوته بإهماله شئ من العلم ولو من بعض النواحي .
ويمثل السيد محب الدين الخطيب الطبري ومن في طبقته من العلماء في إيرادهم الأخبار الضعيفة برجال النيابة في عصرنا ، إذا ارادوا أن يبحثوا في قضية فإنهم يجمعون كل ما تصل إليه أيديهم من الأدلة والشواهد المتصلة بها ، مع علمهم بتفاهة بعضها أو ضعفه ، اعتماداً منهم على أن كل شئ سيقدر بقدره" .هذا عذر للطبري وأمثاله في روايته عن المجروحين. وله عذران آخران:
أولهما : أنه يروي الحوداث بسندها إلى من رواها ، ويرى أنه إذا ذكر السند فقد برئ من العهدة ، ووضعها على عاتق رواته. وقد قيل : من أسند فقد حمل ، أي حملك البحث في سنده ، وكان هذا مقبولاً في زمنه حيث يستطيع العلماء أن يعرفوا رجال السند ، ويحكموا لهم أو عليهم .
ومن هنا قال الطبري في مقدمة تاريخه :
" فما كان في كتابي هذا مما يستنكره قارئه أو يشنعه ، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة ، ولا معنى في الحقيقة ، فليعلم أنه لم يؤت ذلك من قبلنا ، وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا ، وإنما أدينا ذلك على نحو ما أدّي إينا ".
وبهذا حمل رواته التبعة ، وحمل بالتالي دارس كتابه أن يفتش عنهم في كتب الرجال ، ومصادر الجرح والتعديل ، وسيجد حينئذ عدداً منهم ساقطاً بالمرة ، وعدداً مختلفاً في توثيقه وتضعيفه ، وعدداً آخر من الثقات المقبولين.
فمن رجال الطبري: محمد إسحاق صاحب السيرة ، قال فيه الإمام مالك وغيره ما قالوا ، ومن وثقه لا يقبل كل ما يرويه ، وكثيراً ما كان الرواة عنه أضعف منه وأوهن.
والواقدي كذبه جماعة من أئمة الحديث ، ومن قبله لم يقبله بإطلاق..
وهشام بن محمد الكلبي وأبوه ، وهما متهمان بالكذب.
وسيف بنعمر التميمي كان يضع الحديث ، ويروي الموضوعات عن الأثبات - اتهم بالزندقة ، وضعفه غير واحد.
وأبو مخنف لوط بن يحي الأزدي ، قال فيه الحافظ الذهبي : أخباري تالف لا يوثق به ، تركه أبو حاتم وغيره وقال ابن معين: ليس بثقة ، وقال مرة: ليس بشئ وقال ابن عدي: شيعي محترق ، صاحب اخبارهم!
وغير هؤلاء كثيرون من المجروحين المتروكين عند أئمة الجرح والتعديل من علماء الحديث ، وإن كان رجال التاريخ والأخبار يروون عنهم ، ويستندون إليهم.
ومن أجل هذا لا يقيم المحققون وزناً لروايات " الأخباريين " ولا يعتمدون عليها ويعيبون من ينقل عنها في كتب العلم المعتبرة.
ولهذا نجد الإمام النووي يقول في كتاب " الاستيعاب " لفقيه المغرب ومحدثه الإمام ابن عبدالبر النمري : إنه من أحسن الكتب المؤلفة في الصحابة وأكثرها فوائد ، لولا ما شانه بذكر ما شجر بين الصحابة وحكايته عن الأخباريين.
قال السيوطي معقباً: والغالب عليهم الإكثار والتخليط فيما يروونه.
والعذر الثاني : للطبري في عدم تمحيص ما رواه في تاريخه : أن الموضوع لا يترتب عليه حكم شرعي من تحليل أو تحريم أو إيجاب أو غير ذلك، مما يتعلق به علم الفقه. كما أنه لا يتصل ببيان كلام الله أو رسوله ، كما في علم التفسير ، أو علم الحديث. ولا غرو أن وجدنا الطبري - الذي كان إماماً جليل القدر في التفسير والحديث والفقه حتى كان له مذهب متبوع مدة من الزمن - يدقق ويحقق فيما يتصل بهذه العلوم المذكورة ، ولكنه يترخص ويتساهل في أمر التاريخ ، قائلاً في تسويغ ذلك " إذ لم نقصد بكتابتنا هذا قصد الاحتجاج..." .
وغفر الله للإمام الطبري ، فإن هذا التساهل قد شوّه تاريخ فجر الإسلام ، وأساء إلى حملة رسالة الأولين ، وفتح باب الاعتذر نفسه لمن بعده ، فأخذوا عنه كما أخذ عمن قبله ، وأدوا إلى من بعدهم ، كما أدى هو إليهم وكما أدى إليه من قبله. ومن ثم نرى أن ابن الأثير وأبا الفداء وابن كثير وغيرهم ، يعتمودن على الطبري ، ثم جاء المعاصرون والمستشرقون فاعتمدوا على هؤلاء ، واعتبروا ذلك علماً وتحقيقاً."
علي السقاف جده
"لنأخذ أهم هذه المصادر القديمة وأشهرها وهو: تاريخ الطبري.
لقد كانت الفكرةالمهيمنة على الطبري عند كتابة تاريخه هي التجميع والتسجيل ، دون الانتقاء أو التمحيص للأسانيد أو الوقائع المروية. فمن كان عنده خبر ذو بال نقله عنه ودونه منسوباً إليه، وإن كان رواي الخبر من الضعفاء أو المتهمين أو المتروكين ، وإنما دفعه إلى ذلك حب الاستقصاء ، والخوف من أن يفوته بإهماله شئ من العلم ولو من بعض النواحي .
ويمثل السيد محب الدين الخطيب الطبري ومن في طبقته من العلماء في إيرادهم الأخبار الضعيفة برجال النيابة في عصرنا ، إذا ارادوا أن يبحثوا في قضية فإنهم يجمعون كل ما تصل إليه أيديهم من الأدلة والشواهد المتصلة بها ، مع علمهم بتفاهة بعضها أو ضعفه ، اعتماداً منهم على أن كل شئ سيقدر بقدره" .هذا عذر للطبري وأمثاله في روايته عن المجروحين. وله عذران آخران:
أولهما : أنه يروي الحوداث بسندها إلى من رواها ، ويرى أنه إذا ذكر السند فقد برئ من العهدة ، ووضعها على عاتق رواته. وقد قيل : من أسند فقد حمل ، أي حملك البحث في سنده ، وكان هذا مقبولاً في زمنه حيث يستطيع العلماء أن يعرفوا رجال السند ، ويحكموا لهم أو عليهم .
ومن هنا قال الطبري في مقدمة تاريخه :
" فما كان في كتابي هذا مما يستنكره قارئه أو يشنعه ، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة ، ولا معنى في الحقيقة ، فليعلم أنه لم يؤت ذلك من قبلنا ، وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا ، وإنما أدينا ذلك على نحو ما أدّي إينا ".
وبهذا حمل رواته التبعة ، وحمل بالتالي دارس كتابه أن يفتش عنهم في كتب الرجال ، ومصادر الجرح والتعديل ، وسيجد حينئذ عدداً منهم ساقطاً بالمرة ، وعدداً مختلفاً في توثيقه وتضعيفه ، وعدداً آخر من الثقات المقبولين.
فمن رجال الطبري: محمد إسحاق صاحب السيرة ، قال فيه الإمام مالك وغيره ما قالوا ، ومن وثقه لا يقبل كل ما يرويه ، وكثيراً ما كان الرواة عنه أضعف منه وأوهن.
والواقدي كذبه جماعة من أئمة الحديث ، ومن قبله لم يقبله بإطلاق..
وهشام بن محمد الكلبي وأبوه ، وهما متهمان بالكذب.
وسيف بنعمر التميمي كان يضع الحديث ، ويروي الموضوعات عن الأثبات - اتهم بالزندقة ، وضعفه غير واحد.
وأبو مخنف لوط بن يحي الأزدي ، قال فيه الحافظ الذهبي : أخباري تالف لا يوثق به ، تركه أبو حاتم وغيره وقال ابن معين: ليس بثقة ، وقال مرة: ليس بشئ وقال ابن عدي: شيعي محترق ، صاحب اخبارهم!
وغير هؤلاء كثيرون من المجروحين المتروكين عند أئمة الجرح والتعديل من علماء الحديث ، وإن كان رجال التاريخ والأخبار يروون عنهم ، ويستندون إليهم.
ومن أجل هذا لا يقيم المحققون وزناً لروايات " الأخباريين " ولا يعتمدون عليها ويعيبون من ينقل عنها في كتب العلم المعتبرة.
ولهذا نجد الإمام النووي يقول في كتاب " الاستيعاب " لفقيه المغرب ومحدثه الإمام ابن عبدالبر النمري : إنه من أحسن الكتب المؤلفة في الصحابة وأكثرها فوائد ، لولا ما شانه بذكر ما شجر بين الصحابة وحكايته عن الأخباريين.
قال السيوطي معقباً: والغالب عليهم الإكثار والتخليط فيما يروونه.
والعذر الثاني : للطبري في عدم تمحيص ما رواه في تاريخه : أن الموضوع لا يترتب عليه حكم شرعي من تحليل أو تحريم أو إيجاب أو غير ذلك، مما يتعلق به علم الفقه. كما أنه لا يتصل ببيان كلام الله أو رسوله ، كما في علم التفسير ، أو علم الحديث. ولا غرو أن وجدنا الطبري - الذي كان إماماً جليل القدر في التفسير والحديث والفقه حتى كان له مذهب متبوع مدة من الزمن - يدقق ويحقق فيما يتصل بهذه العلوم المذكورة ، ولكنه يترخص ويتساهل في أمر التاريخ ، قائلاً في تسويغ ذلك " إذ لم نقصد بكتابتنا هذا قصد الاحتجاج..." .
وغفر الله للإمام الطبري ، فإن هذا التساهل قد شوّه تاريخ فجر الإسلام ، وأساء إلى حملة رسالة الأولين ، وفتح باب الاعتذر نفسه لمن بعده ، فأخذوا عنه كما أخذ عمن قبله ، وأدوا إلى من بعدهم ، كما أدى هو إليهم وكما أدى إليه من قبله. ومن ثم نرى أن ابن الأثير وأبا الفداء وابن كثير وغيرهم ، يعتمودن على الطبري ، ثم جاء المعاصرون والمستشرقون فاعتمدوا على هؤلاء ، واعتبروا ذلك علماً وتحقيقاً."
علي السقاف جده
نطرح عليكم رابط الكتاب
http://www.4shared.com/file/55773048.../__online.html
No comments:
Post a Comment