Wednesday, June 4, 2014

سيف بن ذي يزن والحزب الاشتراكي



سيف بن ذي يزن والحزب الاشتراكي والاستعانة بالاجانب عرض موجز مقتبس من كتاب الا نتماء في الشعر الجا هلي للدكتور فاروق أحمد اسليم احتل الأحباش اليمن بمساعدة الروم، فأذّلوا شعبه، وهو شعب عريق ماعرف الاحتلال من قبلُ، فكان وقع الاحتلال عظيماً عليه وعلى كثير من العرب، وكانت حادثة الأخدود هي الشرارة التي أشعلت الصراع بين العرب والأحباش؛ فقد قَتَلَ ذو نواس الحميريُّ اليهودي نصارى نجران، لاعتقاده أنهم عملاء للروم، فأوعز قيصر الروم إلى أتباعه الأحباش كي يحتلوا اليمن، وقدم لهم الدعم، فقدم إلى اليمن جيش من سبعين الف مقاتل، فأذّلوا حمير بقتل ثلث رجالها، وتخريب ثلث بلادها، وسبي ثلث نسائها، وإرسالهن إلى الحبشة بعد مقاومة يسيرة من أهالي اليمن، وذلك عام 525م ولقد حاول ذو نواس أن يجمع حوله أقيال اليمن ليقاتل الأحباش، فخذله الأقيال، فأعمل الحيلة، وخدع الأحباش، وحقّق نصراً يسيراً عليهم، ولكنّهم عادوا إليه بجيش كبير لا طاقة له به، فقال: (الموت خير من إسار أسود، ثم أقحم فرسه لجّة البحر، فمضى به فرسه، وكان آخر العهد به) .وكذلك فعل ذو جَدَن الهمداني، فقد ناوش الأحباش، ولكن همدان تَفَرّقت عنه، فتخَّوف على نفسه، فقال: (ما الأمر إلا ماصنع ذو نواس، فأقحم فرسه البحر، فكان آخر العهد به) .وقد أظهر ذو جَدَن الحميري في شعره الأسى للخراب الذي أنزله الأحباش باليمن، فقال :هَوْنَكِ ليس يَرُدُّ الدمعُ مافاتالا تَهْلِكي أَسَفاً في ذِكْرِ مَنْ ماتاأَبَعْدَ يَبْنُونَ لا عَيْنٌ ولا أَثَرٌوَبَعْدَ سِلْحينَ بَيْني الناسُ أبياتاًوقال أيضاً مظهراً الأسى لخراب حصن غُمْدان، ومشيراً إلى استماتة ذي نواس، وتحذيره لقومه من شدة الاحتلال :وغُمْدان الذي حُدِّثَتِ عَنْهُبَنُوه مُسَمَّكاً في رَأسِ نِيقِفأَصْبَحَ بَعْدَ جِدَّتِهِ رَماداًوغَيَّرَ حُسْنَه لَهَبُ الحريقِوَأَسْلَمَ ذو نُواسٍ مُسْتكيناًوَحَذَّر قَوْمَهُ ضَنْكَ المَضِيْقِومن الحجازِ ارتفع صوت عبد الله بن الذئبة الثقفي يذكر ما أصاب حمير على يد الأحباش :لَعَمْرُكَ ما لِلفَتَى مِنْ مَفَرّْمع الموتِ يَلْحَقه والكِبَرْلَعَمْرُكَ ما لِلفَتَى صُحْرَةٌلَعَمْرُكَ ما إنْ لَهُ مِنْ وَزَرْأَبَعْدَ قبائِلَ مِنْ حِمْيَرٍأُتُوا ذا صَبَاحٍ بذَاتِ العَبَرْبِألفِ أُلُوفٍ وحَرَّابَةٍكَمِثْلِ السَّماءِ قُبَيْلَ المَطَرْيُصِمُّ صياحُهُمُ المُقْربَاتوَيَنْفُونَ مَنْ قاتلوا بالزُّمَرْإن هذا الشعر، وإن لم يذكر الأحباش صراحة، يدلّ على اهتمام عرب الشمال بأحوال عرب اليمن، وعلى تضامنهم معهم ضد الأحباش.كانت صدمة العرب بالاحتلال الحبشي عظيمة، ثم تراءت لهم أطماع الأحباش المتزايدة في السيطرة، فأطماعهم لا تقف عند اليمن بل تتعداها إلى الحجاز، وإلى مكة مهوى الأفئدة العربية، وحينئذٍ أدرك العرب عظمة الخطب وشدة الهول، فكان التحدي العربي للأحباش، وكان التضامن العربي من أجل القضاء عليه.وفد سيف بن ذ ي يزن على قيصر يطلب عونه، فأبى قيصر ذلك، وقال لهالحبشة على ديني، ودين أهل مملكتي، وأنتم على دين يهود) ولم يكن اهالي اليمن يهود ا بل قل منهم، ومن الجلي أن وفادة سيف على قيصر تدل على جهل بحقيقة العلاقة بين الروم والأحباش، ولعل سيفاً أدرك بعد إخفاقه عند قيصر أن العون ممكن عند أعدائهم، فاتجه إلى النعمان بن المنذر، وشكا إليه أمر الأحباش، فأوصل النعمان سيفاً إلى كسرى، وذلك موقف يضاف إلى صفحات النعمان الدالة على رغبته في تقوية العرب، واصطناعهم.وبعد لأي نجحت وفادة سيف عند كسرى الذي أمدَّ سيفاً بجيش فارسيّ بقيادة وهرز، فانتصر سيف بمساعدة وهرز على الأحباش، واستُبْدلَ بالاستعمار الحبشي آخر فارسيّ، ولكنه أقل وطأة على العرب من احتلال الأحباش، وذلك عام 575م ولم تستقل اليمن استقلال تاما الى عند ظهور الاسلام. (وهو ما فعلة عبدالفتاح اسماعيل باحلال الروس بدل الانجليز ولذا نراة احيانا يطلق على نفسة ذ ي يزن)كانت نقمة العرب على الأحباش كبيرة، فقد احتلوا أرضهم احتلالاً مباشراً، وعاثوا فيها فساداً، وأرادوا هدم الكعبة قدس العرب الأول، ولذلك هلّل العرب لانتصار سيف، ولم يأبهوا للوجود الفارسي في اليمن، كان وجوداً رمزياً بخلاف الوجود الحبشي الكثيف، وقد رأى بعض العرب في سيف بطلاً قومياً، وفي الفرس حليفاً منقذاً.(شبيهة بنظرة بعض الدول الثورية العربية لعبد الفتاح وفيالاتحاد السوفييتي حليفا ومنقذ ا)وكان للشعرنصيب في التعبير عن ذلك الحدث العظيم، ومنه قول سيف بن ذي يزن يذكر مقتل مسروق بن أبرهة الحبشي، ويثني على وهرز الفارسي :قتلنا القَيْلَ مسروقاًوَرَوَّيْنا الكثيبَ دَمَاوإنَّ القَيْلَ قَيلَ الناسِ وَهْرِزَ مقسمٌ قَسَمَايَذوق مشعشعاً حتَّىيفيء السبيَ والنَّعَماوحين شاع خبر انتصار سيف، بمساعدة الفرس على الأحباش قدمت وفود عربية إلى صنعاء لتشارك أهالي اليمن فرحة الانتصار، وقد وصلت إلينا أخبار وفادتين: الأولى من ثقيف، والثانية من قريش، فأمّا وفادة ثقيف فكانت ممثلة بأمية بن أبي الصلت الثقفي الذي مدح سيفاً بقوله :لِيَطُلُبَ الثأْرَ أمْثَالُ ابن ذي يزَنٍرَيَّمَ في البَحْرِ للأعداءِ أحْوالايَمَّمَ قَيْصَرَ لماحَانَ رِحْلَتُهُفَلَمْ يَجْدْ عِنْدَهُ بَعْضَ الذي سَالاثُمّ انثنىَ نَحْوَ كِسْرَى بعد عاشِرَةٍمِنَ السِّنينَ يُهينُ النفْسَ والمالاحَتَّى أتى ببني الأحرارِ يَحْمِلُهُمْإنّك عَمْريَ لقد أسرعْتَ قَلْقَالا مَنْ مِثْلُ كِسْرَى شَهِنْشاهِ الملوكِ لَهُأَو مِثْلَ وَهرِزَ يومَ الجيشِ إذْ صالالِلّهِ دَرُّهُمُ منْ عُصْبَةٍ خَرجُواماإنْ أَرَى لَهُمُ في النّاسِ أَمْثالابيضاً مَرَازبَةً ،غُلْباً أساورَةًأُسْداً تُرَبِّبُ في الغَيْضاتِ أَشْبالاأَرْسَلْتَ أسداً على سُودِ الكلابِ فَقَدْأضْحَى شَريدُهُمً في الأرْضِ فُلاّلافاشْرَبْ هَنِيئاً عَلَيْكَ التاجُ مُرْتَفِقاًفي رأسِ غُمْدانَ داراً منكَ مِحلالاواشْرَبْ هَنِيئاً فَقَدْ شالتْ نعامَتُهُمْوَأَسْبِلِ اليومَ في بُرْدَيْكَ إسْبالاومن المثير في هذه القصيدة أنها تضمنت إضافة إلى مديح سيفٍ مديحاً للفرس، وإدانة للفرس، وقد حكم د.عبد الحفيظ السطلي بأن تلك القصيدة شعوبية منحولة، لأسباب منها قلّةُ الإشادة بسيف، وكثرةُ الإشادة بالفرس، وإدانة الروم أعداء الفرسِ، ونصُّ بعض النقاد على أنّ بعضها أو كلّها مصنوع .والمتفق علية أن القصيدة لأمية؛ فعشرات المصادر القديمة تنصّ على ذلك، ومديح أمية للفرس وإدانة للروم لا يكفيان للقول بأن القصيدة من صنع الشعوبية، وقد يكون في القصيدة أبيات مضافة للتزيد في الإشادة بالفرس، ولكن ذلك لاينفي وجود الإشادة في الأصل، فإذا حُذفت بعض الأبيات التي تشيد بالفرس فسوف نلحظ توازناً في الكّم بين مديح الشاعر لسيف، ومديحه للفرس.وأما أن ننكر مديح أمية للفرس وإدانته للروم والأحباش فأمر لا يؤيده النظر العميق في القصيدة، وفي دواعي إنشادها؛ لقد قدّم الفرس لسيف دعماً عسكرياً أحجم عن مثله الروم، وبفضل ذلك الدّعم حقّق عرب اليمن النصر على الأحباش، وكان من المنطقي أن يشيد أمية بمن قدّم الدعم لسيف، وكان طبيعياً أيضاً أن تأتي الإشادة بسيف وبالفرس من شاعرمثل أمية لأنه من الطائف قرب مكة، ولأن صلاته بمكة وثيقة، فهو من الذين استشعروا أكثر من غيرهم خطر الأحباش، ونصرائهم الروم على الوطن ومقدساته، فأهالي مكة والطائف لم يعانوا ظلم الفرس بل عانوا محاولات رومية وحبشية للسيطرة عليهم، فكان منطقياً أن يتوجهوا بالعداء إليهم لا إلى الفرس الذين أعانوهم على التحرر من الأحباش، فكانت قصيدة أمية تعبيراً عن الفرحة بالانتصار على المحتّل الأجنبي، وإشادة بأجنبي قدّم العون، ولَمَّا تظهر مظالمه بعد في اليمن، فالعامل المكاني كان سبباً في موقف أمية، ولعلّ هذا العامل هو السبب في إعراض شعراء شرقي الجزيرة العربية، وشمالها عن الاحتفال بنصر سيف بمساعدة الفرس لأنهم كانوا يعانون استغلال الفرس وظلمهم.وإن في القصيدة نفسها مايدل على تقديم أمية لسيف على الفرس، وفي ذلك إنكار لصنع الشعوبية للقصيدة، وإظهار لرابطة الانتماء العربي التي حملت أمية من الطائف إلى صنعاء ليهنئ ملكها بالنصر؛ فقول أمية في مديح سيف: (حتى أتى ببني الأحرار) و: (أرسلتَ أُسْداً على سُودِ الكلاب) - دليل واضح على عروبة الأبيات لا شعوبيتها، فالشعوبي لا يجعل سيفاً قائداً للفرس، يأتي بهم، ويرسلهم، بل العربي يفعل ذلك حين تحمله عواطفه على وصف ممدوحه العربي بصفات حسنة مبالغ فيها؛ لم يكن قائداً للفرس بل تابعاً لهم أو شريكاً على أحسن الأحوال، ولا يعقل أن يصفه شعوبي بقيادة الفرس، وهي قيادة ماكانت لسيف في تلك الحرب المحررة.لقد أسهمت وحدة الخطر الخارجي على اليمن في بروز مشاعر الانتماء العربي التي توحد عرب اليمن وعرب الحجاز على العداء للروم والأحباش، وتتأكّد تلك المشاعر في قدوم وفد قرشي من مكة إلى صنعاء لتهنئة سيف، وقد ضم الوفد عظماء قريش، ومنهم عبد المطلب بن هاشم الذي مَثُل مع الوفد بين يدي سيف، وألقى خطبة تدل على تلك المشاعر، وعلى أهمية الخطر المشترك في بروزها وتوحيدها، ومن تلك الخطبة قول عبد المطلب لسيف: (فَأَنَت- أبيت اللعن- ملك العرب، وربيعها الذي به تُخْصِب، وأنت أيُّها الملكُ رأسُ العرب الذي له تنقاد، وعمودها الذي عليه العماد، ومعقلها الذي إليه يلجأ العباد.... نحن أهل حرم اللّه، وسدنة بيته، أشخصنا إليك الذي أبهجنا، لكشفك الكرب الذي فدحنا، فنحن وفود التهنئة) فالوفد عبّر بلسان خطيبه عن مشاعره، ومشاعر قريش، ومشاعر كثير من العرب بالاعتزاز بسيف الذي انتصر للعرب، فغدا ملكهم وملاذهم، وسيفهم الذي كشف الكرب الذي فدحهم (غزو الأحباش لمكة)، وكذلك مدح أمية بن عبد شمس القرشي سيفاً بأبيات فدل بها على تلك المشاعر أيضاً. إن انتماء العرب دفع بعضهم إلى مديح الفرس إذ ساعدوا سيفاً على تحرير اليمن، وذلك الانتماء دفع إلى محاربة الفرس وذمهم والفخر عليهم إذ عملوا على إذلال عرب العراق، ودفعهم عنه.وقد دل مديح بعض العرب للفرس على ان الانتماء العربي يرتضي الانفتاح على الأمم، وقبول المعونة من الأجنبي مادام في ذلك تمكين للعرب من التحرر والتطور، وكذلك دل عداء العرب للفرس على أن الانتماء العربي يدفع أبناءه إلى رفض الاحتلال والتسلط، ومحاربة الأجنبي مادام يعوق تحرر العرب وتطورهم، ولعلّ ذلك من أسباب إدانة الأعشى للوجود الفارسي في اليمن حين اتضح أن العرب استبدلوا باحتلال الأحباش احتلالاً آخر يعوق تقدمهم، ونلحظ تلك الإدانة في قول الأعشى يصف خراب قصر ريمان :بَكَرَتْ عليهِ الفُرْسُ بَعْـــدّ الحُبْشِ حَتَّى هُدَّ بابُهْفتراهُ مَهْدومَ الأعالِي وَهْوَ مَسْحُولٌ تُرابُهْولقد أراهُ بِغَبْطَةٍفي العَيْشِ مُخْضرّاً جَنَابُهْفَخَوَى ومامِنْ ذي شبابٍ دائمٌ أبداً شَبَابُهْفالأعشى يأسى لخ راب قصر ريمان، ويرى أن قوتين تعاورتا على تخريبه، وإزالة الغبطة عن أهله،وهما قوتا احتلال، فعلهماتخريب يعوق التطور، ويدمر الصروح الحضارية العربية في اليمن.ويبعد البسمة عن نفوس أهله، ولكن موقف الأعشى وأمثاله لا ينفي رغبة العربي الجاهلي في التواصل مع الحضارات المجاورة لوجوده الإنساني، وفي التأثر بها.
علي السقاف  جده

No comments: